الصفحات

الخميس، 13 مارس 2014

رسالة زعماء الصومال إلى الشيخ سلطان القاسمي (الجزء الأول)



رسالة زعماء الصومال

 إلى الشيخ سلطان بن صقر القاسمي

1837 م 

 
الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي

مقدمة: 

أذكر أنني قبل ثلاث سنوات كنت أبحث عن هذه الرسالة و حالفني الحظ بعد بحث و عناء طويل و بعد الاتصال بدار الخليج للصحافة و النشر في الشارقة, حيث دلوني على مكتبة وحيدة في المنطقة الشرقية قد أجد فيها هذا الكتاب. و فعلا وجدت الكتاب في مكتبة المتنبي في الدمام بعد جهد و بالكاد حصلت على نسختين فقط. 

قرأت الرسالة بنهم و فيها ما هو جميل و تشرح بداية التدخل الانجليزي في سواحل أرض الصومال و فيها ما اعترضت عليه , لكن سأترك رأي الخاص و تحقيق هذه الرسالة إلى ما بعد الانتهاء من سردها بشكل تجريدي و سرد الظروف المحيطة كما حققها الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي. 

 حوت هذه الرسالة استنجاداً بشيخ الشارقة و رأس الخيمة الشيخ سلطان القاسمي الذي حكم خلال الفترة 1803م – 1846م ليعينهم على حرب الانجليز و يضم أرضهم إلى أرضه, و قد بدأ المحقق بتمهيد تاريخي لمنطقة الصومال, و بين أسباب كتابة الرسالة التي كتبت بخط واضح و جميل و ما تزال محفوظة إلى اليوم في الشارقة. و اختتم التحقيق ببيان أسباب تقاعس الشيخ سلطان بن صقر القاسمي عن تنفيذ رغبة زعماء الصومال.

تمهيد:

تطرق الدكتور سلطان بن محمد القاسمي إلى القبائل القاطنة في أرض الصومال و ذكر أن القبائل التي ترجع إلى الشيخ اسحاق بن أحمد تقطن الجزء الغربي من شمال الصومال و أن ميناءهم بربرة, بينما تقطن في الجزء الشرقي قبيلة المجيرتين العائدة إلى الدارود و ميناؤها بندر قاسم. ثم تحدث عن بربرة و أسباب كتابة الرسالة كما يلي:

ميناء بربرة في القرن التاسع عشر

يقع ميناء بربرة على خط عرض 22  10 درجة, و خط 45 درجة, و كان يعد من أحسن الموانئ الأفريقية. أما مدينة بربرة فإنها كانت تهجر ما بين شهري أبريل و سبتمبر من كل عام, إلا من السقف المؤقتة, و في منتصف شهر سبتمبر تصبح المدينة سوقاً تجارية عظيمة, و ملتقى تجارياً لكل القبائل الصومالية في تلك المنطقة, و التي كانت تعتمد على تلك المدينة في بيع منتجاتها كالصمغ, و العاج , و السمن , و الخيول , و البغال, و المواشي, و الأغنام , و الجلود الغير المدبوغة , و كانت أثمان تلك المنتجات كثيراً ما تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات.
إن ازدهار التجارة في ميناء بربرة يرجع إلى عدم وجود ضرائب على الواردات أو الصادرات , ما عدا حصة بسيطة تدفع للوسطاء نظير السمسرة و حماية التجار الأجانب و عادة ما يكون السمسار زعيم العشيرة.

كانت التجارة في ميناء بربرة بيد العرب و البناينة* (جمع بانيان و هم الهنود المشتغلون بالتجارة), الذين كانوا يأتون من مناطق مختلفة من السواحل العربية كل سنة, في سفن محملة بالبضائع , و التي كانت تترواح أعدادها بين 100 و 500 سفينة. 

أحد شوارع بربرة موسم التجارة


كان تجار بربرة يبدون غيرة و حسداً عند وصول أي سفينة أوروبية, لأن تلك الكميات الكبيرة من السلع, التي كانت تلك السفن تجلبها إلى بربرة, هي نفس نوعية السلع التي كان تجار بربرة يجلبونها من موانئ السواحل العربية. من تلك السفن الأوربية , وصلت السفينة التجارية "ماري آن"  “Mary Anne” يوم الثامن من أبريل سنة 1825م, بقيادة ربانها "دبليو لِنغارد" “w.Lingard”. و في نفس الوقت وصلت البغلة "دريا دولت" من المخا, و كان على متنها اثنان من العرب حضرا إلى السفينة "ماري آن" و عرضا خدماتهما على السيد " لِنغارد".
و في صباح اليوم التالي نزل السيد " لِنغارد" و أخوه من السفينة, و اصطحبا العربيان إلى مكان تجمع السماسرة, و عيَنا لهما خمسة من السماسرة المعروفين, و اتفقا مع السماسرة على الأتعاب التي سيتقاضونها. لكن السيد " لِنغارد" ظن أن السماسرة قد خدعوه, و أن الأتعاب التي اتفق عليها معهم عالية جداً, لذلك بدأ في اليوم التالي بعرض بضاعته على التجار دون السماسرة. 

اعترض السماسرة على ذلك البيع, فتدخل السيد علي عقال, صاحب الكلمة في مدينة بربرة لتسوية الموضوع. عندها وصل أحد بحارة السفينة "ماري آن" و أخبر السيد " لِنغارد" بأن السفينة قد جنحت بالقرب من الشاطئ فهب كل من كان بالمدينة إلى الشاطئ. فمنهم من كان يحاول انقاذ البضاعة و منهم من أخذ ينهب من تلك البضاعة, فحدث عراك بين بحارة السفينة و المواطنين الصوماليين نتج عنه مقتل اثنين من بحارة السفينة " ماري آن" و جرح آخران. فخاف السيد " لِنغارد" فلجأ هو و أخوه إلى البغلة " دريادولت" و لحق بهما السيد "لابلانش" “La Blanche” مساعد ربان الفينة "ماري آن", و طلب السيد " لِنغارد"من نوخذا البغلة نقله و من معه إلى المخا.

في المخا قابل السيد " لِنغارد" المقيم البريطاني كابتن "ام.إي.باغنولد" “Captin M.E.Bagnold” و أخبره بما حدث. فقام السيد باغنولد برفع الأمر إلى حكومة بومبــي. قدر السيد " لِنغارد" قيمة السفينة و حمولتها بمبلغ 37,833 ألف دولار اسباني.

بعد سنة و نصف من الحادثة, صدرت الأوامر من العميد البحري "غيج" “ Rear Admiral Gage” , القائد الأعلى للقوات الملكية البحرية البريطانية في تلك البحار, بتجهيز حملة بحرية, تنفيذا لرغبات الحاكم العام للهند, لاعادة الممتلكات أو التعويض عنها من القبيلة التي اعتدت على السفينة التجارية "ماري آن". تكونت الحملة السفن الملكية البحرية البريطانية: "تامـار" “ Tamar”  و " باندور" “ Pandora”  و " أمهرست" “ Amherst”  و كان عليها مئتان و أربعون جنديا.

وصلت الحملة قبالة ميناء بربرة في اليوم العاشر من يناير سنة 1827م, و كانت هناك سفن محلية كثيرة أخذت تتناقص عند وصول الحملة. فقام كابتن "جي. بريمر" “ Captain J.Bremer”  قائد السفينة الملكية البريطانية " تامار" -  و هو نفسه قائد الحملة – باطلاق النار على تلك السفن لمحاصرة ميناء بربرة. كما قام بارسال الملازم "داوني" “Lieut. Downey”  مع مترجم إلى المدينة لمقابلة شيوخ بربرة, لشرح الهدف من تلك الحملة, و اخبارهم برغبة كابتن " بريمر" للاجتماع بهم على ظهر السفينة الحربية مع ضمان سلامتهم.

وافق شيوخ بربرة على اللقاء مع الكابتن "بريمر" في صباح اليوم التالي. و في تلك الليلة الباردة و كعادة أهل الصومال أن يشعلوا النار ليلاً للتدفئة و الطبخ, اعتقد الكابتن "بريمر" أن المواطنين قد أشعلوا النار في عدة أماكن من المدينة لنهبها, و أنهم فيما تهيأ له بدأوا بتحطيم ممتلكات الهنود الذين يعدُون تحت الحماية البريطانية,و أنه إذا ما حدث ذلك فلسوف لن يجد شيئاً للتعويض عن السفينة " ماري آن" و شحنتها.

و من ثم أراد أن يثبت لأهالي بربرة أنهم تحت سيطرته فقام بفتح نيران مدافع السفينة الحربية, ثم أنزل قوة بقيادة كابتن " جيرفيز" “ Captain Jervaise”  لاحتلال المدينة. و كان وقتها ألفان من المواطنين الصوماليين قد تجمهروا على الشاطئ بأسلحتهم التقليدية لكنهم اختفوا عندما بدأ الجنود البرطانيون بالنزول إلى الشاطئ. احتل الكابتن "جيرفيز" و جنوده التلة التي كانت تتوسط المدينة و موقعين آخرين. أحدهما شرق المدينة و الآخر غربها, ثم احتلت المدينة بأكملها بعد أن سقط العديد من الأهالي صرعى نتيجة العدوان الهمجي و قتل انجليزي واحد فقط.

تقدم من المدينة اثنان من زعمائها و تفاهموا مع الانجليز و طلبا مهلة أربعة أيام. و في اليوم المحدد حضر بين عشرة و اثني عشر شيخاً من زعماء القبائل و طلب الانجليز منهم ثلاثين ألف دولار, اعترض الصوماليون على ذلك الطلب.  و لكنهم تحت التهديد وافقوا على خمسة عشر ألفاً تدفع على ثلاثة أقساط سنوية قيمة كل قسط خمسة آلاف دولار نقداً أو ما يوازيها من البضائع. و وقعت اتفاقية بين شيوخ القبائل و بريطانيا تسمح لبريطانيا بالتجارة و حمايتهم لسفنها من الاعتداء عليها و تقديم المساعدة لها. و عجز الأهالي عن جمع القسط الأول حيث كانوا جميعهم فقراء.

أسباب كتابة (المخطوطة) رسالة زعماء الصومال للشيخ سلطان بن صقر القاسمي: 

كتبت هذه الرسالة في سنة 1837م , و كان الدافع لكتابتها أن بريطانيا أواخر سنة 1836م ادعت أن سفناً من ساحل الحبشة قامت بأعمال السلب ضد السفن المتاجرة بين المكلا و مدخل البحر الأحمر. فقامت السفن البريطانية بأسر خمس سفن من قبالة بربرة, مدعية أنها كانت تقوم بحصار ميناء بربرة. يضاف إلى ذلك الاتفاق الذي تم بين سلطان لحج و الحكومة البريطانية في شأن تأجير ميناء عدن في نهاية سنة 1835م لاقامة محطة تجارية في ذلك الميناء الى جانب الممارسات التي قام بها كابتن " هينز" “ Captain haines" الضابط في البحرية الهندية ضد عدن و سلطان لحج في السنوات التي تلت ذلك الاتفاق مما نتج عنه احتلال بريطاني لعدن في العام 1839م . 


يتبع في الجزء القادم 

في الجزء القادم سنبدأ بإذن الله في سرد الرسالة  (المخطوطة) كما هي و من ثم نعرض تحقيق بسيط حول بعض ما ذكر فيها حسب رأينا المتواضع.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق