كان يا مكان في قديم الزمان كان هناك أخوان
أحدهما يدعى كبا-علف و الآخر فارح, كبا-علف كان الأخ الأكبر و فارح الأخ الأصغر وكان
من أمر كبا-علف أنه لم يتزوج بعد و كان الناس ينعتونه بالحمق (نعس) و كان فارح محط
اعجاب الكثيرين و كانوا ينعتونه بالامتياز (فريد) و كانوا يعتمدون عليه في الكثير
من الأشياء.
و في يوم من الأيام أصاب القحط و الجفاف
الأرض التي يقطنها كبا-علف و أخوه فارح و بعد زمن هطلت الأمطار في أرض أخرى بعيدة
عن أرض الأخوين. و كعادة أهل البادية أرسلوا السرايا للإستطلاع و البحث عن أرض
فيها الماء و الكلأ و فعلاً وجدوا بُغيتهم و بعدها انتقلت العشيرة إلى هذه الأرض
الجديدة الغنية بالعشب و المياه.
و بعد أن استقرت العشيرة و ارتوت المواشي
بعد الظمأ ابتدأ الشباب و الصغار في أداء الرقصات و الألعاب الشعبية ابتهاجاً
بنعمة الأمطار و فرحاً بالأرض الجديدة. من هذه الرقصات هيلدا, ويقلدا, والاساقادا,
جاانطيرتا ..إلخ (Wiglada, Heelada, Walasaqada,
Jaandheerta),
و كان من عادة أهل البادية أن يقيموا مراسم الزواج خلال فصل الأمطار حينما تعشب
الأرض و تخضر, حتى لو كان هناك
اتفاق مبدأي للزواج بين شاب و فتاة يتم تأجيله لفصل الربيع وقت نزول الأمطار.
فارح وجد فتاة من المنطقة الجديدة التي
ارتحلوا إليها مؤخراً وتحدث معها لفترة و نالت اعجابه فقد كانت تتمتع بقدر كبير من
الجمال و العقل.اتفق فارح مع الفتاة على الزواج و لكن لسوء حظهما اندلعت مواجهات
بين العشيرتين و قتل من الطرفين رجال كثير. بعد هذه المواجهات الدموية قررت عشيرة
فارح وأخوه كبا-علف العودة لمنطقتهم تجنباً لمزيدٍ من سفك الدماء بين الجانبين.
لم يستطع فارح أن يصبر كثيراً على الفتاة
التي أحبها و أراد الزواج منها, فقرر أن يعود لديارهم و يعود بالفتاة إلى عشيرته.
وكانت 90% من زواجات البادية تتم بهذه الطريقة باتفاق الشاب و الفتاة على الزواج حيث
جرت العادة أن يأتي الشاب مع أبناء عمه و إن كان لابد فيأتي بعمه أو أخيه و يرسلهم
لأهل البنت ثم يهرب مع الفتاة إلى عشيرته فلا يملك أهلها سوى الموافقة على الزواج
تحت الأمر الواقع بما أن الشاب و الفتاة بينهما قصة حب أما 10% كان يتم تزويجهم
عبر أهاليهم.
ذهب فارح إلى أبناء عمه و أخبرهم أنه لا
يمكن أن يتخلى عن هذه الفتاة و أنه لن ينظر إلى فتاة أخرى طالما أن هذه الفتاة ما
تزال على قيد الحياة. أشار عليه أبناء عمه أن ينسى هذه الفتاة و لا يفكر فيها بسبب
العداوة بين العشيرتين حيث لم تجف دماء القتلى بعد من الطرفين. كما أنه لو ذهبوا
إليهم سيعتقدون أنهم يريدون حربهم فيبادروا للقتال و الثأر لقتلاهم تحت هذه الظروف
العصيبة.
لم يقتنع فارح بنصيحة أبناء عمومته و قرر
أن يذهب لوحده و كان أخوه كبا-علف المنعوت بالحمق "نعس" الوحيد الذي عرض
الذهاب معه, وافق فارح على أن يصحبه أخوه الاكبر كبا-علف. انطلق فارح و أخوه
باتجاه ديار الفتاة كان الأرض الفاصلة بين العشيرتين أرضاً جدباء و قاحلة لا
يسكنها أحد, قطع فارح و أخوه المسافة في يوم و ليلة و في اليوم التالي وصلا إلى
ديار الفتاة التي أحبها فارح.
اختبأ فارح و أخوه كبا-علف على مشارف مضارب
العشيرة وذلك للعداوة التي بينهم و لتحين الفرصة المناسبة للانفراد بالفتاة و
الحديث معها. و فعلا في عصر ذلك اليوم شاهدوا الفتاة و هي تقود جملاً خارج مضارب
العشيرة, فخرجوا عليها بعدما اطمئنوا أنها لوحدها فقالوا لها " لقد أتينا من
أجلك يا سيدتي و تعلمين العداوة التي بين أهلينا, و نريدك أن تأتي معنا هذه الليلة
للعودة إلى عشيرتنا بغرض الزواج منك".
الفتاة كانت تتمتع بقدر كبير من الذكاء و
واعدتهم أن تأتيهم في الليل تحت شجرة اتفقوا عليها على حدود مضارب العشيرة. الجو
كان لا يزال في فصل الربيع و الأمطار تهطل بغزارة بين الحين و الآخر, نزل المطر
تلك الليلة و الأخوان ينتظران الفتاة تحت الشجرة و كانا يرتجفان من شدة البرد. أما
الفتاة فبعد نزول الأمطار دخل عليها اخوانها و عيال عمها الذين كانوا عادةً ينامون
أمام الابل و لكن دخلوا عليها المنزل حتى يحتموا من المطر لذلك لم تستطع أن تخرج
إلى موعدها مع الأخوين.
تأخرت الفتاة على الأخوين و لما استبطئا
قدومها قررا أن يذهبا إلى منزلها و يروا
ما الذي عَوقها عن الموعد. تسلل الأخوان إلى مضارب العشيرة حتى وصلا إلى بيت
الفتاة و اختبئا خلف المنزل و أخذا يسترقان السمع حتى وقفوا تماماً خلف المكان
الذي تتحدث منه الفتاة. قام فارح بنكز الفتاة من الخارج ففهمت أنهما يختبئان في
الخارج و ينتظران خروجها معهم.
و كما قلنا سابقاً كانت الفتاة تتمتع بقدر عالي
من الذكاء فأخذت تحكي قصة لاخوانها و عيال عمها و هي تقصد توجيه رسالة لفارح و
أخيه كبا-علف فقالت و هي تحكي قصة فتاة " كان هناك شاب و فتاة يحبان بعضهما وفي
يوم من الأيام حدث قتال و خصومة بين أهليهما و الشاب لم يستطع أن يصبر على فراق
الفتاة التي يحبها, ثم قدم إلى أهل البنت مع ابن عمه فأصابهم المطر مثل مطر هذه
الليلة فتحدث الشاب مع الفتاة فقالت له: إذا كنتم جائعين اذهبا خلف حظيرة الغنم و
ستجدان اناء فيه حليب فاشربا, و إذا كنتم تريدان مصرعكما فادخلا المنزل , إما إن
كنتم تريدونني فاذهبا تحت الشجرة" و أكملت لهم القصة و فعلاً فهم الأخوان
أنها تقصدهم بكلامها فذهبا خلف حظيرة الغنم و شربا الحليب ثم عادا لانتظار الفتاة
تحت الشجرة.
و مع توقف هطول الامطار عاد اخوة الفتاة و
عيال عمها للخارج للنوم بالقرب من الابل, حينها وجدت الفرصة للهروب و اللحاق بفارح
و أخيه تحت الشجرة. و لما تقابلوا تحت الشجرة فرح بمجيئها الاخوان ثم انطلقوا
عائدين إلى ديار فارح و أخيه. و بعد الفجر مباشرة كانوا يمشون في منطقة خاوية لا
يسكنها أحد و لا تسمع فيها صوتاً لمخلوق, قالت الفتاة " دعونا نفطر"
استغرب فارح من قولها و بحثها عن الفطور في هذه الارض الخاوية فقال لأخيه كبا-علف
" يا أخي ماذا تقول الفتاة ؟ هل نحن في منطقة فيها أكل ؟ ما هذا الفطور الذي
تريده؟ "
أجابه كبا-علف " إنها تقصد أن نفرش
أسناننا بالمسواك" فهم فارح قصدها بعد شرح أخيه كبا-علف و فعلاً فرشوا
أسنانهم بالمسواك, و لما حان وقت الظهر أصابهم التعب فجلسوا تحت ظل شجرة كبيرة. و
حينما جلسوا مباشرة قالت الفتاة " دعونا نرتاح" فاستغرب مجددا من كلامها
و قال لها " ولال, ها نحن جالسون تحت
الظل فعن أي راحة تتحدثين ؟ " فأجابه أخوه كبا-علف " انها تقصد أن نخلع
الأحذية" و بالفعل خلعوا جميعاً أحذيتهم و أخذوا قسطاً من الراحة حتى العصر.
تحركوا بعد العصر و حينما اقتربت الشمس من
المغيب قالت الفتاة " لقد وصلنا إلى البلدة" , فقال فارح " هل
الفتاة أطول منا ؟ أم هي أبعد بصراً ؟ ما هي هذه البلدة التي شاهدتها و لم نشاهدها
نحن ؟ ". فأجابه كبا-علف " لقد شاهدت نسراً و غالبا تتواجد النسور في
مناطق قريبة من الاماكن التي يقطنها البشر" استغرب فارح من منطق الفتاة و
استغرب أكثر من فهم أخيه كبا-علف لما تقوله. و بالفعل بعد برهة من الزمن وصلوا إلى
بلدة كما أخبرتهم الفتاة و استقبلتهم عائلة على طرف البلدة كضيوف.قدمت لهم العائلة
وليمة كعادة أهل البادية فكانوا يقدمون الطعام للضيوف و يذبحون لهم الماشية مع وضع
كوب من السمن و الحليب في المنتصف و هذا ما فعلته العائلة تماما.
خجلت الفتاة أن تضع السمن لنفسها أمام
الرجال فكانت تأكل باستحياء مما يليها من الطعام و الرجال يضعون شيئا من السمن و
الحليب أمامهم. و لما رأت الفتاة أن فارح وضع أمامه السمن و كذلك كبا-علف و لم
يتركوا لها شيئاً منه و كانت تشتهي السمن. فأخذت الفنطال " ملعقة خشبية
يستخدمها أهل البادية للأكل" ووضعته أمام جهة كبا-علف و قالت " لقد قلت
اليوم مقولة يا كبا-علف قطعت كبدي هكذا و هي تخط خطاً باتجاهها" "maanta Kabo-Calafaw hadal aad
I tidhi beerka ayuu sidaa ii kala jeexay" فاتجه بعض من السمن و الحليب باتجاهها.
فهم كبا-علف ما تقصده و أنها محرجة من أن تطلب بشكل صريح السمن و الحليب أمام
الرجال, فأخذ يخلط الطعام أمامه بملعقته الخشبية و هو يقول " و أنت أيضاً قلت
كلاماً خلط معدتي بالكامل هكذا " ""Ana
hadal aad I tidhi maanta caloosha oo dhan ayuu sidaa ii walaaqay"
وذلك لرفع الحرج عنها و التمويه على ما فعلته للتو.
تعجبت الفتاة من ذكاء كبا-علف و أخذت قراراً
بألا تتزوج إلا منه. و حينما وصلوا إلى ديار فارح و أخيه قالت الفتاة " لقد
حلفت بالله ألا يتزوجني رجل غير كبا-علف و إلا عدت إلى منزل أهلي". أسقط بيد
فارح و لم يعرف ما يفعل, فقد أصبح أمام خيارين: إما أن يترك الفتاة التي خاض
لأجلها كل هذه الصعاب و المشقة تعود بسهولة , أو يتركها تتزوج أخاه الكبير الذي
صاحبه في هذه الرحلة و وقف إلى جانبه. اتخذ فارح قراره بمباركة زواج أخيه من
الفتاة و بالفعل تزوج كبا-علف من الفتاة أما فارح فقام على عرس أخيه الأكبر و أصبح
كما يعرف باللغة الصومالية " milxiis", و لم تقف الحكاية عند ذلك و لكن كبا-علف
ساعد أخاه بالمقابل على اختيار عروسة له و عمت الأفراح و المسرات عائلة الاخوين وعاشوا
في تبات ونبات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق