الخميس، 20 مارس 2014

رسالة زعماء الصومال إلى الشيخ سلطان القاسمي (الجزء الثالث)



رسالة زعماء الصومال

  إلى الشيخ سلطان بن صقر القاسمي  (الجزء الثالث و الآخير)




الخاتمة و تحقيق الدكتور سلطان بن محمد القاسمي:

علم الانجليز بموضوع رسالة زعماء الصومال للشيخ سلطان بن صقر القاسمي, فبحثوا عن طريقة يمنعون بها الشيخ سلطان من الوصول إلى أرض الصومال. فلما علموا بوجود التاجر الصومالي عبدالله بن عوض في مسقط , و الذي كان يبحث عن فتيات صوماليات أٌخذن من ساحل بربرة, أحضروه إلى أبوشهر, حيث قابله المقيم البريطاني في الخليج "كابتن صمويل هنل"  “Captain Samual Henell” في يناير 1838م , أخبروه بأن القواسم هم الذين قاموا بخطف الفتيات الصوماليات,و عليه أن يذهب إلى رأس الخيمة لمقابلة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي لمطالبته بالفتيات المسروقات.

ثم أركبه سفينة متجهة إلى رأس الخيمة وصل عبدالله بن عوض إلى رأس الخيمة و قابل الشيخ سلطان, و لكنه لم يعثر على فتيات صوماليات هناك, بل أخبره الشيخ سلطان بأن الفتيات الصوماليات في مسقط. لذلك رجع إلى أبوشهر و أخبر "كابتن هنل" بذلك, لكن "كابتن هنل" ادعى بأن شخصاً يدعى خميس أحد رعايا الشيخ سلطان هو الذي قام بخطف الفتيات.

كان عبدالله بن عوض يعرف سالمين بن خميس أحد رعايا الشيخ سلطان, و الذي كان يتردد على ميناء بربرة لنقل البضائع التجارية, فرفض أن يتهمه بذلك العمل السئ. ادعى "كابتن هنل" أن عبدالله بن عوض تعرض للإهانة في رأس الخيمة, و ان الشيخ سلطان قد دفع له مبغاً مقابل سكوته, أنكر عبدالله بن عوض كل ذلك. لكن "كابتن هنل" كتب تقريراً سيئاً عن المعاملة التي لقيها عبدالله بن عوض في رأس الخيمة, و بعث به إلى حكومة بومبي. رجع عبدالله بن عوض إلى مسقط و أخذ يبحث عن الفتيات الصوماليات, فتعرف على واحدة منهن, فأحضروها إلى مقر المقيم البريطاني في مسقط , و كان المقيم البريطاني غائباً فقام وكيله المحلي نيابة عنه بإجراء المقابلة.

و هناك أخبرت الفتاة عن شخص من صور يدعى علي بن سعيد بن عيسى ربان السفينة الكويتية بأنه هو الذي أحضرهن إلى مسقط. فأربع منهن تم بيعهن بين صور و صحار , و أربع أٌخذن إلى الكويت. و قد تعرف عبدالله بن عوض على الأربع فتيات اللاتي بين صور و صحار,و تعرف كذلك على اسم مالك السفينة الكويتية و هو يعقوب بن غانم الكويتي. و عندما طلب الوكيل المحلي في مسقط من عبدالله بن عوض الانتظار حتى حضور المقيم البريطاني في مسقط, تعلل بأنه مسافر إلى أبوشهر لأن بينه و بين "كابتن هنل" اتفاقية !!.

مع أن عبدالله بن عوض الصومالي لم يتهم أتباع الشيخ سلطان بن صقر بأخذ الفتيات الصوماليات, و مع أن عبدالله بن عوض , و معه الوكيل المحلي نائباً عن المقيم البريطاني في مسقط, تعرفا على الفتيات الصوماليات إلا أن "كابتن هنل" يصرَ على اتهام الشيخ سلطان بن صقر القاسمي بذلك العمل السئ. فبادر في 17 ابريل 1838م بزيارة سلطان بن صقر القاسمي في رأس الخيمة, و قام بمطالبة الشيخ سلطان بالفتيات الصوماليات نيابة عن عبدالله بن عوض, بيَن له بلهجة قوية سخط الحكومة البريطانية عندما علمت عن مزاولة ذلك العمل السئ و السنيع من قبل الشيخ سلطان بن صقر القاسمي ورعاياه. 

أنكر الشيخ سلطان ذلك الاتهام و ذكر مؤكداً أن رعايا إمام عُمان و كذلك آخرين من الكويت هم الأشخاص المعنيون بذلك العمل, و حاول الشيخ سلطان أن يقنع "كابتن هنل" لكنه لم يقبل تلك المبررات, فقام الشيخ سلطان و أخبره "كابتن هنل" بأنه قد بعث السيد ميرزا أحد خواصه إلى زنجبار ليقوم بترتيبات مع إمام مسقط تقتضي بأنه لا يسمح لأي سفينة تغادر موانئ القواسم إلى ساحل أفريقيا دون أن تحمل تصريحاً مكتوباً خاصاً منه. و عند وصول أي سفينة تابعة للقواسم إلى أي ميناء من موانئ الإمام فأن ولاته سيعينَون مكان إقامة بحارة أي سفينة تابعة للقواسم خلال فترة تواجدها في ذلك الميناء. 

و عند رجوع كل سفينة من سفن القواسم إلى الخليج, فإن النوخذا من كل سفينة يجب أن يبرز أوراقاً ثبوتية موثقة بختم الإمام أو من ينوب عنه تثبت  أن تصرف البحارة كان سليماً و هادئاً و أنه لا أحد من جماعة القواسم كان متهماً بسرقة أو نقل الرقيق بخفية أو بقوة أو خداع. و لإعطاء "كابتن هنل" برهاناً على صدق مشاعره, ذكر بأنه قد أعطى إمام مسقط تفويضاً تاماً بالتصرف المطلق لمعاقبة كل واحد من رعاياه يكون مذنباً أو مخالفاً لذلك الاتفاق. فرد "كابتن هنل" بأن ذلك البرهان الصادق من شعوره مقنع, و بما أنه واضح أن كلاهما لديه نفس الرأي فأنه (الشيخ سلطان) ليس لديه مانع من أن يعطي موافقته لترتيبات إضافية تضع حداً للممارسات السئية التي يتذمر منها الآخرون.

عندها طلب "كابتن هنل" من الشيخ سلطان أن يوافق على إعطاء السفن الحربية البريطانية الحق بتفتيش و حجز السفن في أعالي البحار, في الحالات التي يكون فيها بحارة تلك السفن عرضة للشك بأنها قد اشتركت في خطف العبيد. و في نفس الوقت أن يوافق بإعطاء تلك السفن الحربية الحق في إقاء القبض و مصادرة السفن الضالعة في تجارة الرقيق. عندها و بدون تردد أعرب الشيخ سلطان عن موافقته, فقدم "كابتن هنل" اتفاقية كانت معدة من قبل فقرأها المترجم و وقعها الشيخ سلطان بن صقر القاسمي و ختمها بختمه.

و هكذا حال الانكليز بين الشيخ سلطان بن صقر القاسمي و وصوله إلى أرض الصومال لنجدة أهلها.

انتهت

تحقيق العبد الفقير إلى الله:

في بادئ الأمر لا شك بأن هذه الرسالة ثمينة جداً من عدة نواحي و توثق فترة تاريخية هامة, كما أشكر الدكتور سلطان بن محمد القاسمي على نشره لهذه الرسالة الجميلة و تحقيقها. فالشكر موصول له على ما بذله من جهد للبحث عن المعلومة و عرضها للقراء. 

لدي بعض الملاحظات و النقاط البسيطة عن هذه الرسالة كنت قد كتبتها قبل سنتين حينما قرأت الرسالة لأول مرة, و شد انتباهي عدة نقاط منها ما يلي:

·        الكاتب مجهول و لم يرد ذكر لمن هو , لكن يتضح من طريقة الكتابة و كمية الوعظ الوارد فيها أن كاتبها أحد شيوخ الدين ذو الصلة بسلاطيين القبائل الصومالية.
·        يبدو أن الكاتب أو الشيخ قد أرسل هذه الرسالة إما بمبادرة من تلقاء نفسه أو بمشاورة مع سلاطيين القبائل , لكن من المؤكد أنه استرسل و استخدم لهجة لا يستخدمها زعماء القبائل في طلب النجدة من طلب التملك عليهم.
·        و النقطة الأكثر استغربا هي ادعاء كاتب الرسالة بأنه سيدخل الصومال في الاسلام , و من المعروف أن الصوماليين كانوا مسلمين بأغلبية ساحقة في ذلك الوقت, و هذا الأمر يؤدي بنا إلى وضع فرضيات حول قصد الكاتب من هذا الكلام:
(1) كان الكاتب يكذب على الشيخ سلطان بن صقر القاسمي فقط لأجل كسب دعمه و مساعدته و من معه على حكم الصومال تحت مسمى نشر الدعوة و الاسلام رغم أن الصوماليين مسلمين!!.
(2) أن الشيخ الذي كتب الرسالة يحمل بذور فكر متطرف اقصائي كفكر القاعدة و الشباب حيث يعتبر المسلمين الذين لا يوافقون توجهه مسلمين حقاً سواء كانوا صوفية أو غيرهم من المذاهب الأخرى و هذا يتضح من لهجته حين وصف حكام عمان بالمرتدين الخوارج.
·        النقطة الأخيرة التي تحتاج إلى بحث باسهاب هي التساؤل عن قدرة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي على نجدة الصوماليين و الوقوف في وجه بريطانيا العظمى التي كانت لا تغيب الشمس عن مستعمراتها؟ أما حجة المقيم البريطاني في الخليج و تلفيقه التهمة للشيخ تبدو عذراً واهياً للتخلف عن النجدة إن كانت هناك نية حقيقة للنجدة. يبقى هذا بحثاً آخر ينبغى البحث فيه على انفراد.
ما عدا هذه الملاحظات التي قد لا يتفق عليها معي الكثير , تبدو رسالة جميلة و مكتوبة بخط جميل جداً و تحمل في معناها المجمل الهدف الأسمى بطلب الوحدة الاسلامية و الوقوف سوية في وجه الاستعمار الغاشم و بريطانيا أو النقريز كما كانت تسمى قديماً و الشكر مرة أخرى للدكتور سلطان بن محمد القاسمي على نشر الرسالة و تحقيقها.

الجمعة، 14 مارس 2014

الصوماليون و وقفة البجع


الصوماليون القدماء قلدوا الطيور في الوقوف على رجل واحدة

 
اليوم سأفصح  لكم عن عادة غريبة كان يمارسها أجدادنا الصوماليون في البادية, قد يراها البعض لأول مرة كما انتبهت لها مؤخراً و أنا اتصفح مجموعة صور قديمة لاجدادنا و قد يمر عليها الآخرون مرور الكرام. شد انتباهي وضعية غريبة يقف فيها أحدهم  لم أفهم المغزى من هذه الحركة لاول وهلة الا بعدما ربطت هذه الحركة بحركة مماثلة في عالم الطيور.

كما نعلم العلاقة المتداخلة بين عالم الانسان و الحيوان و الطيور و كيف ان الانسان استفاد من هذه الكائنات و قلدها في حركات خاصة بهذه الحيوانات أو الطيور. تماماً كما فعل الصينيون و الشرق آسيوين عامة في تقليد حركات الافاعي أو العقارب و غيرها من الحيوانات و الاستفادة منها في الرياضات القتالية للدفاع عن النفس.
يبدو أنه أيضا كان هناك نصيب للصوماليين في تقليد الكائنات الحية و هذه المرة مع الطيور بشكل عام  هذه الخاصية تظهر بشكل واضح في الطيور ذات الارجل الطويلة خاصة كالبجع و اللقلق و الفلامنجو حيث تثني هذه الطيور أحد رجليها باتجاه جسمها و تقف على رجل واحدة فقط. و يبدو أن الحكمة من ذلك هي لحفظ طاقة و حرارة الطير فجسم الطائر مغطى بالريش و ما عدا رجليه اللتان تبردان بسرعة لذلك سيخسر حرارة أكثر بتعريض الرجلين للهواء فيكتفى برجل واحدة فقط, كما أن هذه الوضعية مريحة للطيور و ترتاح و تنام و هي على هذا الحال.

طائر فلامنجو نائم على رجل واحدة


المثير للعجب أن الصوماليين القدماء كانوا أيضاً يتخذون نفس الوضعية لأخذ قسط من الراحة تماماً كالطيور, حيث كانوا يستخدمون أداة تشبه الحبل لتثبيت أحد الارجل للاعلى و الاتكاء على عصى لخلق نوع من التوازن. هذه العادة التي لوحظت كذلك لدى قبيلة سان في صحراء كالاهاري في جنوب افريقيا و كذلك في السكان الاصليين لاستراليا. كما أن هذه الحركة بشكل أو بآخر تعتبر من ضمن تمارين التركيز و التأمل في اليوغا و تسمى بوضع الشجرة حيث يتم رفع القدم اليمنى عن الارض بمساعدة اليد اليمنى و تثبيت كعب القدم اليمنى على الفخذ بحيث يكون اتجاه اصابع القدم للاسفل و نفس التمرين بالنسبة للقدم اليسرى مع الحفاظ على التوازن. يساعد هذا التمرين علي زيادة التوازن الجسدي، و يزيد من التركيز ويقوي عضلات الأرجل والبطن. 

و يحكى في قصص الاساطير العربية القديمة تحليل يشرح سبب استخدام الطيور و خاصة اللقلق لهذا التكنيك بالوقوف على رجل واحدة, دعونا نورد لكم الحكاية على أية حال للتسلية و إضافة منظور عربي لموضوعنا:
 يحكى يا سادة يا كرام أنه في قديم الزمان كان الناس لا يأكلون لحم الطيور، إذ لم يكن يخطر في أذهانهم أنها تصلح للأكل، ولذلك كانت الطيور لا تهرب منهم أبداً بل تتناول الطعام من أكفهم آمنة مطمئنة. وحدث ذات مرة أن تاه تاجر في غابة واسعة، ظل فيها عدة أيام من دون أن يكتشف الطريق إلى قريته، وكاد يموت جوعاً، فاصطاد ديكاً وحشياً وأكله بعد أن ذبحه ونظفه وشواه، وعندما عاد التاجر إلى قريته حدث أصحابه بما فعله، ومنذ ذلك اليوم بدأ الناس يأكلون لحم الطيور.

أفراد من قبيلة سان في صحراء كالاهاري


وانتشر الخبر في القرية والقرى المجاورة لها، وسمعت به طيور الغابة، ومن بينها اللقلق الذي خشي على نفسه، وقرر أن يخدع الانسان فأخفى إحدى رجليه تحت جناحه، وكان الناس يعرفون جيدا أن لكل طائر رجلين اثنين، فنظروا إلى اللقلق فرأوه واقفاً على رجل واحدة، فاستغربوا أمره وظنوه مخلوقاً لا يمت للطيور بصلة فلم يصطادوه ولم يأكلوه.وحدث أن مر باللقلق رجل من القرية فسمعه يغني:‏‏
  
أنا اللقلق.. أنا اللقلق‏‏
ومن يصطادني أحمق‏‏
لكل طير رجلان‏‏
ولي رجل من البان‏‏
ولحمي طعمه مر‏‏
أنا شؤم أنا شر

فتركه وذهب.. لكن صياداً ذكياً  قرر أن يراقب اللقلق، فدخل إلى الغابة واختفى تحت شجرة كبيرة، فلما تلفت اللقلق حوله ولم ير أحداً. وكان قد تعب من الوقوف على رجل واحدة، أنزل رجله الثانية، وبدأ يقوم بنزهة بين الأشجار فانقض الصياد عليه يريد الإمساك به، فأسلم ساقيه للريح وصفق بجناحيه وطار بعيداً ثم حط فوق رابية وراح يغني:‏‏ 

أنا اللقلق.. أنا اللقلق‏‏
بلون الورد والزنبق‏‏
جناحي ريشه مخمل‏‏
ولحمي طازج يؤكل‏‏ 

فأطلق الصياد طلقة من بندقيته, ولكن اللقلق كان بعيداً, فأخطأته الطلقة.‏‏ 

فيا ترى هل نستطيع اليوم أن نمارس تلك العادة القديمة عند الاجداد ؟ و هل نستطيع أصلاً أن نقف مثل تلك الوقفة و لو لدقائق بتركيز لأجل أخذ قسط من الراحة ؟ أم أن اللياقة لا تسمح بذلك ؟

رسالة زعماء الصومال إلى الشيخ سلطان القاسمي (الجزء الثاني)

في الجزء الثاني سنستعرض النص الكامل للرسالة (المخطوطة) التي وصلت إلى الشيخ سلطان بن صقر القاسمي رحمه الله من بلاد الصومال للاستنجاد به ضد الانجليز, و إليكم النص كما هو: 



(( الموصوف بأقل صفاته المعروف بوشح صفاته (1) سلطان بن صقر حرسه الله في حياته عن فضيحة و فقر و في آخرته عن السعير و سقر. و مراد الورقة السلام عليكم و ايصال اخبارنا اليكم و تذكير طاعتنا و شوقنا لديكم.

أقول لك يا امير المؤمنين متع الله بحياتك المسلمين و ايد الله بك الدين و نصر بجندك المجاهدين, فإن ملوك اهل الاسلام ضيَعوا سياسة الشريعة و ليَنوا اركانها المنيعة و نادموا سلاطين الكفار و استمدوهم على اهل الامصار حتى أنزلوا النقريز (2) في عدن سمية الجنة و اقدم مسكن احلَهم الله دار البوار و انتقم منهم بعذاب النار و ذلك من الرعب المقذوف في قلوبهم و هذا من جملة عيوبهم.

و الواجب عليك أن تهتم لاقامة الحنيفية و اظهارها و لذَب رافضيها عنها و اشهارها و نحن أهل بادية و اصحاب ماشية و لكنَنا اولوا قوة واولوا باس شديد و أصحاب جرد و مرد (3) و عدٍ عديد لكنَا ناؤن عن السَاحل لا نصله إلاَ بشق الانفس و الرَواحل لكن بحمد الله قد طلع من السَاحل نجم ثاقب و اسدٌ رابضٌ راقب لَزِم و الزَمَ التوحيد و نفى الشرك و التنديد و هو السلطان الصَالح الناصح الحاج العاقل فارح (4) سلمه الله و حيَاه و حرسه و هداه و بيَاه فصار واسطه بين الطريقين و مأوى لكلا الفريقين و قد بحث هو سلاطين المسلمين بالاستخبار وساس قوانينهم بالاعتبار فتحصَل له من مناقبك ما اسَر خواطره و حرك بشائره و اتفاقه مع محمد بن سالم بن علي (5) عليه رحمة ربه العليَ.

فَأمُرِ الناس بالمعروف و انههم عن المنكر و ذكَرهم بهول القيامة و المحشر و اطع الله و اطع الرسول اذ كل راع عن رعيته مسئول و جاهد الكفار و المنافقين و اقم الحدود على الكافرين و الزُناة و السَارقين فلا يجوز لك ان تهادن الكفًار فوق اربعة اشهر و وجب علينا اتباع الامير الموحد المجاهد الآمر النَاهي القائم المساعد و نحن معدودون من رعيَتك و مستريحون بمعيتك فساعدنا بيدك و لسانك لقوله صلى الله عليه وسلم المؤمنين يد واحدة على من سواهم و المؤمنون كالبنيان يشدُ بعضه بعضا.

و نحن محتاجون الى مدد و حتَى كلامك يكفينا اذا امرت السَواعى (6) المسافرة الينا ان يقوموا معنا و يجاهدوا في سبيل الله الحيث (7) اذا جاؤا عندنا ما يخالف احدُ من السَومال لأنهم يهابون اذا سمعوا ان السلطان بن صقر قائم بالجهاد فيهتابون و يقولون كلهم نحن من رعيته و هذه السَواعي المساعره (8) تكفينا بحول الله و قوته و ما ترى ان شاء الله الا و هم داخلون تحت طاعتك في سنة واحده و لا يضر هذا البعد الذي بيننا لانَ السَواعي مقربة تحمل الى بلد لم تكونوا بالغيه الاَ بشق الانفس كما ان سعيد بن سلطان ملك ارض السواحل كلها و هي بعيدة عنه مع انه خارجي ليس من اهل السنة و الجماعة و انت بحمد الله قلوب السَومال مشتاقة اليك لما ذكرنا لهم من اتباعك الكتاب و السنة.

فاجتهد في ضم ملك السَومال الى ملكك الاول فان المملكة سعادة لمن ادىَ حقها و شقاوة لمن جار و طغى و اثر الحياة الدنيا. فيجب عليك ان تعاوننا باليد و اللسان و يجب علينا السمع و الطاعة ان تنصروا الله ينصركم و يثبت اقدامكم و ما النصر الا من عند الله العزيز الخكيم و نحن مستنصرون (9) منك و قد قال تعالى و ان استنصروكم في الدين فعليكم النصر و قال تعالى ان تكونوا تالمون فانَهم يالمون كما تالمون و ترجون من الله ما لا يرجون و قال صلى الله عليه وسلم امرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله و اني رسول الله و يقيموا الصلوَة و يؤتوا الزكوه فاذا فعلوا ذلك فقل عصموا منَي دماءهم و اموالهم الاَ بحقها و حسابهم على الله.

و قال صلى الله عليه و سلم لان يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم و قال صلى الله عليه وسلم من لم يغزُ و لم يحدث نفسه بالغزو ومات على ذلك مات على شعبة من شعب النفَاق و لقوله صلى الله عليه وسلم لغدوة او روحة في سبيل الله خير ممَا طلعت عليه الشمس و لقوله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع غبار في سبيل الله و دخان جهنم في جوف احدكم ابداَ و الواجب عليك و على اتباعك ان يؤمنوا بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الاخر و القدر خيره وشره و ان تشهدوا ان لا اله الا الله و ان محمد عبده و رسوله و تقيموا الصلوة و تؤتوا الزكوة و تصوموا رمضان و تحجوا الى البيت ان استطعتم اليه سبيلا و تعبدوا الله و لا تشركوا به شيئاً و تأمروا بالمعروف و تنهوا عن المنكر و تطيعوا الله و الرسول و تحكموا بين الناس بالحق و من لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون و الفاسقون و الظالمون.

و لا تقربوا الزنا انه كان فاحشة و ساء سبيلا و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن ان الذين ياكلون اموال اليتامى انما ياكلون في بطونهم ناراً و سيصلون سعيرا و لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداَ فيها و غضب الله عليه و لعنه و اعد له جهنم و ساءت مصيرا و اوفوا الكيل و الميزان و لا تبخسوا الناس اشياءهم  و يل للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون و اذا كالوهم او وزنوهم يخسرون الا يظن اولئك انهم مبعوثون و اقيموا الحدود ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه و لا تعثوا في الارض مفسدين انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله و يسعون في الارض فساداَ ان يقتَلوا او يصلَبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض الى اخر الايه و لا تاكلوا الربا و من عاد اليها فينتقم الله منه و الله عزيز ذو انتقام و لكم في القصاص حيوه يا اولي الالباب لعلكم تتقون. الزانية و الزاني فجلدوا كل واحد منهما ماية جلده و لا تاخذكم بهما رافة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله و اليوم الاخر الايه. السارق و السارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله و الله عزيز حكيم هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب الله تؤمنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبيل الله باموالكم و انفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون و تعاونوا على البَر و التقوى و لا تعاونوا على الاثم و العدوان و من يؤمن بالله و رسوله فقد هدي الى صراط مستقيم و امروا اهلكم بالصلَوة و اصطبروا عليها.

فيجب عليك ان تمدنا برجال و اموال و تساعدنا بسواعى و اقوال لانك اذا امرت السواعى المساعره و الرجال المسافره ان يساعدونا بالتفافيق (10) و السُفن و يحاربون معنا على الكلاب و الكفار العُفُن فنسئلك بوجه الله الذي لا يجوز رد السائلين به ان تساعدنا و تمدنا بالاعانة الواجبة عليك لقول النَبي صلى الله عليه وسلم ان الله في عون العبد ما دام العبد في عون اخيه و يجب علينا السمع و الطاعة و على الله نصر المؤمنين فالله لا تتساهل كلامنا هذا فانه مجلب الظفر و معلم النصر و مكسب الاجر و توكلوا على الله و من يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره انا لننصر رسلنا و الذين امنوا كتب الله لاغلبن انا ورسلي ان الله قويَ عزيز و كان حقاً علينا نصر المؤمنين اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون و الغالبون كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله و الله مع الصَابرين و ما يعلم جنود ربك الا هو.

و قد نزلت في البادية البعدى الى قرى السَاحل القُربى عند الحاج الافخر و السلطان الاغر فارح حرسي و انا منتظر منك سعدة (11) الى الفتوح القابل (12) و الامر كله لله و اليه يرجع الامر كله و جيوش البادية علينا و لو تبغى ثلاثين الف خيَال لكن مالنا قوة في البحر غير الحاج فارح و لكن اصحابه و بنو اعمامه لا يقومون للحق و يحسدون عليه و اذا جاءت سواعي منكم و ذكروا انك قائم معنا يهتابون و لا يتكلمون بكلمة و لا يقدرون يخالفوننا فان لم تقدر ترسل لنا سعدة مستعدة فالله الله قل للمسافرين الجائين من ارضكم ارسلنا السلطان بن صقر لنجاهد الكفار الذين في ارض السَومال مع الحاج علي (13) و الحاج فارح فان ذلك ينفعنا نفعاً جماً و انَ لك فيه اجراً لماً فاعيوننا بقوة حتى نجاهد السَومال و ندخلهم في الاسلام و الايمان باذن الله الملك المعبود لما سمعنا فيك من الخصال الحميدة و المناقب العديدة و الفضائل السعيدة و الفواضل (14) المفيدة فاحببنا ان نكون لك عساكر مجاهدين و فوارس مساعدين و تكون لنا قائماً مقيماً لدين الله و اميراً امراً لاوامر الله و ناهياً ينهى عن المعاصي و شفيقاً برفق للدَاني و القاصي و مقيماً لحدود الله الخامدة (15) و مظهراً للشريعة الجامدة (16) و عسى الله ان يُعلي بك الدين و يدمغ (17) بحقك راية المشركين و يملكك ارض المؤمنين و يفتح بنورك اعين المسلمين و يؤمرك على جيوش المجاهدين و يضَم بسلطنتك طوائف الموحَدين و ينفعك بدعوة المسلمين المستضعفين و صَلى الله على سيدنا محمد و اله و صحبه و سلم اجمعين))

انتهت الرسالة ..


يتبع في الجزء الثالث و الآخير 

سوف نذكر في الجزء الاخير الاسباب التي منعت الشيخ سلطان بن صقر القاسمي من الاستجابة لطلب الرسالة بالنصرة حسبما ذكرها المحقق الدكتور سلطان بن محمد القاسمي. بالاضافة لتعليق على فحوى الرسالة و تحقيق مبسط حسب وجهة نظرنا المتواضعة.

-----------------------------------------------------------------------------------
الهامش:

(1) الوشح: الثوب , الصافي : التقي, و المقصود هنا: المعروف بلباس التقوى.
(2) النقريز: الانجليز.
(3) جرد و مرد: الجرد من الخيل: السَباق, المرد: الشاب طرَ شاربه و لم تنبت لحيته يقال امرد على جرد اي شبان مرد على خيول جرد.
(4) فارح حرسي: سلطان قبيلة هبرغرحجس.
(5) محمد بن سالم بن علي: زعيم احدى القبائل.
(6) السواعي: جمع سوعي, سفن معروفة في السواحل العربية.
(7) الحيث: تعنى الزمان.
(8) السواعي المساعرة: اي المشتغلة بالتجارة.
(9) استنصره: استمده و طلب نصرته.
(10)   التفافيق: جمع تفق, و هي كلمة فارسية معربة منطقة الخليج و شرق الجزيرة و اصلها فارسي تفنكـ - تعني الاسلحة النارية.
(11)   سعدة: اذا كان يقصد معاونة , فعليه ان يقول "مساعدة" و ان كان يقصد اليمن نقيض النحس فعليه قول "سعد" يقال لبيك و سعديك, اسعدك اسعاداً بعد اسعاد.
(12) القابل:  القادم القريب.
(13)  الحاج علي: لا بد  و ان يكون احد زعماء القبائل.
(14)  فواضل: فواضل المال: غلته و ارباحه.
(15)  الخامدة: النار: سكن لهبها و لم يطفأ جمرها.
(16) الجامدة: الصلبة.
(17)  دمغ الحق الباطل: ابطله و محقه.