الخميس، 6 فبراير 2014

السلطان الصومالي ويل وال "Wiil Waal" و اللغز



مقدمة:

كان يا ما كان في قديم الزمان في منتصف القرن التاسع عشر كما تحكي الروايات، كان هناك سلطان عظيم يحكم جزءاً من بلاد الصومال اسمه القراد فارح ابن القراد حرسي و المشهور بلقب " ويل وال". كان ويل وال سلطانًا مهاب الجانب تطيعه القبائل الصومالية و تنضوي تحت لوائه لمحاربة قبائل الجالا للتوسع داخل الهضبة الاثيوبية. كان هذا السلطان يتمتع بقدر كبير من الذكاء و الشجاعة و لديه قدرة هائلة على توحيد الناس حوله كما كان يستخدم الأحجيات و الألغاز كثيراً مثل الأحجية التي سنحكيها اليوم. كان رجلاً حقيقياً و لكن القصص التي أثيرت حوله ربما تكون صحيحة و ربما تتمتع بقدر من سعة الخيال كحال الأساطير في كل مكان في العالم.


القصة:

كان هناك حاكم صومالي يعرف ب "ويل وال" اشتهر بالذكاء و الحكمة و كان في بعض الأحيان يعتقد أنه الوحيد الذي يتمتع بهذا القدر من الذكاء. كان يستمتع بإختبار مستوى ذكاء رعيته و ذلك لغرض البحث عن رجل يكافئه في الذكاء.  و في يوم من الأيام جمع كل الرجال في المنطقة و أخبرهم بأحجية طالباً منهم طلباً غريباً. قال لهم " احضروا لي جزءاً من أجزاء الغنم , و هذا الجزء يرمز إلى ما يمكن أن يفرق الناس أو يجمعهم. من يحضر لي هذا الجزء سأعترف به كرجل حكيم ".

تلفت الرجال إلى بعضهم البعض و تساءلوا : هل يوجد عضو في الغنم يرمز إلى ما قاله السلطان ويل وال ؟ أخذوا يتسائلون و هم يفركون ذقونهم ببطء كناية عن عمق التفكير. انصرف الرجال إلى منازلهم و أخذ كل منهم يستعد لذبح أفضل و أسمن خروف لديه. كان كل منهم يمني نفسه أن يحل لغز السلطان و يأتي بالقطعة الصحيحة لينال شرف الاعتراف و تقدير ذكائه و حكمته أمام الجميع.

أحدهم نحى جانباً ساقاً ممتلئة و الآخر التقط كتفاً سمينة و البعض اختار الكبد و هكذا تنافسوا في اختيار أفضل قطعة. في هذه الأراضي كان يعيش رجلٌ فقير من رعية السلطان كان يملك قطعاناً من الماشية أقل بكثير مما يملكه الآخرون. لكنه كان يؤمن أن غنائه يكمن في الصحة التي أنعم الله بها عليه و في عدد ذريته الكبير. أخذ الرجل الفقير يجر أسمن و افضل خروف لديه و هو يقول في خاطره " يا لها من خسارة أن أذبح هذا الخروف للسلطان و هو لديه الكثير من المواشي و النعم ". 

"أبي ما هي المناسبة لذبحك أفضل و أسمن أغنامنا" هكذا سألته ابنته البكر و هي قادمة لمساعدة أبيها في ذبح الخروف. أعاد أبوها القصة على مسامعها و أخبرها بطلب السلطان "ويل وال" , أخذ الأب في رفع أحد أضلاع الخروف بعد ذبحه و قال " أظن أن هذه هي القطعة المطلوبة" قالها بصيغة المتردد و هو ينظر إلى ابنته في انتظار تعليق منها يطمئنه على صحة اختياره. لم تتحدث البنت و ظلت تحدق في قطعة الضلع و كأنها تبحث عن خيط يقودها للحل الصحيح. تنهد الرجل الفقير و هو يوجه حديثه مرة أخرى إلى ابنته " إنني في الحقيقة لا أعلم ما هي القطعة الصحيحة التي ترمز إلى ما أخبرنا به السلطان, و لكني أظن بأن هذه القطعة ستفي بالغرض".

أخذت البنت الضلع من يد أبيها و أخذت تردد " شي يوحد الناس أو يفرقهم ...؟" ثم أعادت القطعة مرة أخرى إلى أبيها, و بسرعة أخذت الخنجر و قطعت مرئ الخروف و قالت لأبيها "  قدم هذه القطعة إلى السلطان ويل وال و سيقولون عنك أنك رجل حكيم" قالتها و هي تبتسم ابتسامةً ممزوجة بالزهو و الفخر. 

الأب انصدم من اختيار ابنته و صرخ باستغراب " المرئ ؟" الذي يربط بين الحلق و المعدة ؟ المرئ الذي يرمى دائما و لا يؤكل ! و تسائل كيف يمكن أن تقترح ابنته مثل هذا الخيار. قال الأب " ستكون إهانة للسطان فلن يأكل أحد المرئ و بالطبع الضلع أجدر بأن يقدم للسلطان". أجابته ابنته " ثق بي يا أبتي فإنني أريد مصلحتك" نظر الرجل إلى كومة اللحم المتبقي بعد ذبح الخروف كل هذا اللحم الذي سيبقى لعائلته فوافق على اختيار ابنته بناءاً على ثقته بذكاءها و عقلها.

في اليوم التالي تجمع جمع غفير أمام منزل السلطان و أخذ كل منهم ينتظر دوره و هو يضع أمامه قطعة الخروف التي احضرها, فاجتمعت أمام السلطان قطع كثيرة من اللحم: ارجل, أكتاف و غيرها من القطع السمينة. في هذه الأثناء كان الرجل الفقير ينتظر دوره و قد ازداد توتراً و هو يحدق بما قدمه الآخرون من قطع اللحم الفاخر, و أخذ يرسم خطوطا على الأرض بعصاه حتى يخفف من توتره. 

أخيراً حان دوره و تقدم أمام يدي السلطان فأدخل يده داخل الكيس الذي معه ليخرج قطعة المرئ, أخذت يده ترتجف داخل الكيس و حينما أخرج القطعة التي احضرها سمع صرخات استهجان من الحضور " ماذا لقد أحضر المرئ ! يالها من إهانة أن يقدم مثل هذا إلى السلطان " بعد برهة خيم الصمت على الحضور و كذلك السلطان ويل وال أطال الصمت و النظر إلى الرجل الفقير و ما يحمله. 

الرجل الفقير لم يعد يحتمل الموقف الصعب و الصمت المطبق فنظر إلى السلطان ويل وال و وجده مبتسماً و سمعه يقول له بصوت عال " أنت رجلٌ حكيم " فغر الرجل الفقير فاه غير مصدق لما يحدث حوله, هنا علم ويل وال بذكائه أن الرجل لم يأتي بالحل من عند نفسه و لابد أن هناك من ساعده. فسأله " من أخبرك بأن تحضر هذه القطعة من الخروف؟ " فأجاب الفقير " إنها ابنتي البكر , هي الذكية و لست أنا".

هنا طلب السلطان ويل وال رؤية البنت فذهب الجميع إلى منزل الرجل الفقير لرؤية هذه البنت الذكية, و حينما وصلوا إلى منزل الرجل الفقير خرجت إليهم البنت الجميلة بقامتها الطويلة و هي تخفض عينيها للأرض بخجل. تحدثت بصوت ناعم و هادئ  لا يخلو من الوضوح و قالت " لقد طلبتُ من أبي أن يُحضر لك قطعة المرئ من الخروف لأنها في الحقيقة تدل على ما يمكن أن يجمعنا أو يفرقنا, في هذه الحياة هناك الأغنياء الذين يملكون الكثير و هناك الذين لا يملكون إلا القليل. و حينما لا يتشارك الناس يصبحون أعداء و لكن حين يتشاركون يعيشون في سلام. المرئ يوصل الطعام إلى المعدة الجائعة و حينما لا يتم تشارك الطعام يصبح فارغاً , من الممكن أن يكون رمزاً للجشع و الطمع أو يكون رمزاً للكرم و السخاء و في نفس اوقت يجمع الناس أو يفرقهم".

هز السلطان ويل وال رأسه موافقاً لكلام ابنة الرجل الفقير و رتب على كتفها و هو يعلن " وجدت الرجل الحكيم متمثلاً في هذه الفتاة الشابة, و حتماً سيأتي يوم لتحكم هذه الأرض". يقال بعدها أن السلطان ويل وال طلب يد البنت للزواج من أبيها و صارت بينهما قصص و أخبار و وجد السلطان الحكيم ويل وال من ينافسه في الذكاء و الدهاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق