مقدمة:
كان يا ما كان في قديم الزمان في منتصف
القرن التاسع عشر كما تحكي الروايات، كان هناك سلطان عظيم يحكم جزءاً من بلاد
الصومال اسمه القراد فارح ابن القراد حرسي و المشهور بلقب " ويل وال".
كان ويل وال سلطانًا مهاب الجانب تطيعه القبائل الصومالية و تنضوي تحت لوائه لمحاربة
قبائل الجالا للتوسع داخل الهضبة الاثيوبية. كان هذا السلطان يتمتع بقدر كبير من
الذكاء و الشجاعة و لديه قدرة هائلة على توحيد الناس حوله كما كان يستخدم الأحجيات
و الألغاز كثيراً مثل الأحجية التي سنحكيها اليوم. كان رجلاً حقيقياً و لكن القصص
التي أثيرت حوله ربما تكون صحيحة و ربما تتمتع بقدر من سعة الخيال كحال الأساطير
في كل مكان في العالم.
القصة:
كان هناك حاكم صومالي يعرف ب "ويل وال" اشتهر بالذكاء و الحكمة و
كان في بعض الأحيان يعتقد أنه الوحيد الذي يتمتع بهذا القدر من الذكاء. كان يستمتع
بإختبار مستوى ذكاء رعيته و ذلك لغرض البحث عن رجل يكافئه في الذكاء. و في يوم من الأيام جمع كل الرجال في المنطقة و
أخبرهم بأحجية طالباً منهم طلباً غريباً. قال لهم " احضروا لي جزءاً من أجزاء الغنم , و هذا الجزء يرمز إلى ما يمكن أن يفرق الناس أو يجمعهم. من يحضر لي
هذا الجزء سأعترف به كرجل حكيم ".
تلفت الرجال إلى بعضهم البعض و تساءلوا : هل يوجد عضو في الغنم يرمز
إلى ما قاله السلطان ويل وال ؟ أخذوا يتسائلون و هم يفركون ذقونهم ببطء
كناية عن عمق التفكير. انصرف الرجال إلى منازلهم و أخذ كل منهم يستعد لذبح أفضل و
أسمن خروف لديه. كان كل منهم يمني نفسه أن يحل لغز السلطان و يأتي بالقطعة الصحيحة
لينال شرف الاعتراف و تقدير ذكائه و حكمته أمام الجميع.
"أبي ما هي المناسبة لذبحك أفضل و أسمن أغنامنا" هكذا سألته
ابنته البكر و هي قادمة لمساعدة أبيها في ذبح الخروف. أعاد أبوها القصة على
مسامعها و أخبرها بطلب السلطان "ويل وال" , أخذ الأب في رفع أحد أضلاع
الخروف بعد ذبحه و قال " أظن أن هذه هي القطعة المطلوبة" قالها بصيغة
المتردد و هو ينظر إلى ابنته في انتظار تعليق منها يطمئنه على صحة اختياره. لم
تتحدث البنت و ظلت تحدق في قطعة الضلع و كأنها تبحث عن خيط يقودها للحل الصحيح.
تنهد الرجل الفقير و هو يوجه حديثه مرة أخرى إلى ابنته " إنني في الحقيقة لا
أعلم ما هي القطعة الصحيحة التي ترمز إلى ما أخبرنا به السلطان, و لكني أظن بأن
هذه القطعة ستفي بالغرض".
أخذت البنت الضلع من يد أبيها و أخذت تردد " شي يوحد الناس أو
يفرقهم ...؟" ثم أعادت القطعة مرة أخرى إلى أبيها, و بسرعة أخذت الخنجر و
قطعت مرئ الخروف و قالت لأبيها " قدم
هذه القطعة إلى السلطان ويل وال و سيقولون عنك أنك رجل حكيم" قالتها و هي
تبتسم ابتسامةً ممزوجة بالزهو و الفخر.
الأب انصدم من اختيار ابنته و صرخ باستغراب " المرئ ؟" الذي
يربط بين الحلق و المعدة ؟ المرئ الذي يرمى دائما و لا يؤكل ! و تسائل كيف يمكن أن
تقترح ابنته مثل هذا الخيار. قال الأب " ستكون إهانة للسطان فلن يأكل أحد
المرئ و بالطبع الضلع أجدر بأن يقدم للسلطان". أجابته ابنته " ثق بي يا
أبتي فإنني أريد مصلحتك" نظر الرجل إلى كومة اللحم المتبقي بعد ذبح الخروف كل
هذا اللحم الذي سيبقى لعائلته فوافق على اختيار ابنته بناءاً على ثقته بذكاءها و عقلها.
في اليوم التالي تجمع جمع غفير أمام منزل السلطان و أخذ كل منهم ينتظر
دوره و هو يضع أمامه قطعة الخروف التي احضرها, فاجتمعت أمام السلطان قطع كثيرة من
اللحم: ارجل, أكتاف و غيرها من القطع السمينة. في هذه الأثناء كان الرجل الفقير
ينتظر دوره و قد ازداد توتراً و هو يحدق بما قدمه الآخرون من قطع اللحم الفاخر, و
أخذ يرسم خطوطا على الأرض بعصاه حتى يخفف من توتره.
أخيراً حان دوره و تقدم أمام يدي السلطان فأدخل يده داخل الكيس الذي
معه ليخرج قطعة المرئ, أخذت يده ترتجف داخل الكيس و حينما أخرج القطعة التي احضرها
سمع صرخات استهجان من الحضور " ماذا لقد أحضر المرئ ! يالها من إهانة أن يقدم
مثل هذا إلى السلطان " بعد برهة خيم الصمت على الحضور و كذلك السلطان ويل وال
أطال الصمت و النظر إلى الرجل الفقير و ما يحمله.
الرجل الفقير لم يعد يحتمل الموقف الصعب و الصمت المطبق فنظر إلى
السلطان ويل وال و وجده مبتسماً و سمعه يقول له بصوت عال " أنت رجلٌ حكيم "
فغر الرجل الفقير فاه غير مصدق لما يحدث حوله, هنا علم ويل وال بذكائه أن الرجل لم
يأتي بالحل من عند نفسه و لابد أن هناك من ساعده. فسأله " من أخبرك بأن تحضر
هذه القطعة من الخروف؟ " فأجاب الفقير " إنها ابنتي البكر , هي الذكية و
لست أنا".
هنا طلب السلطان ويل وال رؤية البنت فذهب الجميع إلى منزل الرجل
الفقير لرؤية هذه البنت الذكية, و حينما وصلوا إلى منزل الرجل الفقير خرجت إليهم
البنت الجميلة بقامتها الطويلة و هي تخفض عينيها للأرض بخجل. تحدثت بصوت ناعم و
هادئ لا يخلو من الوضوح و قالت " لقد
طلبتُ من أبي أن يُحضر لك قطعة المرئ من الخروف لأنها في الحقيقة تدل على ما يمكن أن
يجمعنا أو يفرقنا, في هذه الحياة هناك الأغنياء الذين يملكون الكثير و هناك الذين
لا يملكون إلا القليل. و حينما لا يتشارك الناس يصبحون أعداء و لكن حين يتشاركون
يعيشون في سلام. المرئ يوصل الطعام إلى المعدة الجائعة و حينما لا يتم تشارك
الطعام يصبح فارغاً , من الممكن أن يكون رمزاً للجشع و الطمع أو يكون رمزاً للكرم
و السخاء و في نفس اوقت يجمع الناس أو يفرقهم".
هز السلطان ويل وال رأسه موافقاً لكلام ابنة الرجل الفقير و رتب على
كتفها و هو يعلن " وجدت الرجل الحكيم متمثلاً في هذه الفتاة الشابة, و حتماً
سيأتي يوم لتحكم هذه الأرض". يقال بعدها أن السلطان ويل وال طلب يد البنت
للزواج من أبيها و صارت بينهما قصص و أخبار و وجد السلطان الحكيم ويل وال من ينافسه في الذكاء و الدهاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق