الصفحات

الخميس، 21 نوفمبر 2013

اختبــار كــاهن (الجزء الثالث و الأخير)


طلب السلطان رؤية الكاهن فشكره على نبؤته التي أنقذتهم  من آثار الجفاف و أعطاه قطعانا عظيمة من الماشية مثل المرة السابقة. فرح الكاهن و ابتهج بالجائزة و انطلق بها إلى مسكنه و في طريقه تذكر وعده للأفعى فأوقف حركة قطعان الماشية ثم جلس و أخذ يرسم بعصى على الرمال. جلس الكاهن و فكر مدة طويلة ثم رفع رأسه و نظر إلى الماشية حوله و هي ترعى حوله, فساوره بعض الطمع و قال لنفسه " هل ستطعم الأفعى كل هذه الحيوانات الجميلة ؟؟ و هي مستلقية في الظل, يالك من أحمق و ابن أحمق". لكنه تمالك نفسه فجأة و فكر " حسناً, ولكنك قد قطعت عهداً للأفعى ! و عدم الوفاء بالعهود يعتبر مثل عدم الإيمان بالله كما يقول المثل الصومالي , ماذا أفعل يا ترى؟ ".  تدارك الكاهن نفسه و قال بحزم " أحلف باسم الرب أن الجِمال و بقية الماشية من نصيبي و سآخذهم لنفسي مهما حدث". و مضى بالماشية و لم يفي بوعده للأفعى مرة أخرى.

و في يوم من الأيام زار رسول السلطان الكاهن و الجفاف مازال مستعراً فقال له " يأمرك السلطان أن تأتيه بسرعة" , أصاب القلق الكاهن و تسآل ماذا يريد منه السلطان هذه المرة يا ترى؟ , لكن لم يجرؤ على مخالفة أمر السلطان فذهب مع الرسول إلى مجلس السلطان الذي كان يجلس بمعية مستشاريه. جلس الكاهن في ضيافة السلطان و تبادلا أطراف الحديث, ثم قال السلطان للكاهن " لقد أرسلت في طلبك لتقوم لنا بأمر سهل بالنسبة لك و مهم لنا في نفس الوقت" فرد الكاهن و نبرة الخوف تعتلي صوته " ماذا تريد مني أيها السلطان؟ " . فقال له السلطان " هذه السنة و السنة الماضية أنقذتنا فعلاً من العديد من الكوارث, كثير من القبائل و التي لم يكن لديها علم بنبؤتك هلكت إما في حروب العام الماضي أو جفاف هذا العام. نشكرك على جهودك و نشكر الله على حفظه لنا. لذلك نود أن تتنبأ لنا مرة أخرى بما سنواجهه العام القادم".

قفز الكاهن من مقعده ثم صرخ " ماذا؟ تريدني أن أتنبأ بماذا ؟ " أصابه الذعر الشديد حتى أنه فقد وعيه و سقط مغشياً على الأرض. وقف السلطان في نوبة من الغضب و قال " كلما طلبت منه أن يساعدنا يتظاهر بالغضب و عدم الرضى !! " رفع السلطان سوطه في الهواء متجهاً بغضب نحو الكاهن لتأديبه لكن الحضور أوقفوه و أخذوا منه السوط. ثم قال السلطان ممتعضاً " حينما يعود هذا الوغد إلى وعيه أخبروه أنه إن لم يأتني بالجواب خلال ثلاثة أيام سأعاجله بالسيف و أقطع رأسه". وقف الناس طويلاً فوق رأس الكاهن و حينما عاد لوعيه أخبروه بكلام السلطان و تهديده, أدرك أن الأمر في غاية السوء و حاول أن يتجنب الذهاب إلى الأفعى لكنه أيقن بأن الموت مصيره لا محالة إن لم يفعل.

انطلق الكاهن مسرعاً لإيجاد الثعبان و حينما اقترب من الشجرة صادفه الثعبان و قال له " مرحباً , هل تبحث عني يا صديقي ( قالها بسخرية واضحة و هو يضحك) ", فرد الكاهن " يا إلهي إنه أنت" , فسأله الثعبان ماذا تريد مني ؟. قال الكاهن " أواجه نفس المشكلة و أريدك أن تخرجني من الورطة التي وقعت فيها من جديد", فقال له الثعبان:


أخبر السلطان الذي أرسلك هنا

ستحوم الغيوم في السماء مرة أخرى

لم تعد قاحلة فهي تحمل أمطار درر (نجم لامع)

أخبره أنه قريبا في منتصف الليل

سيُرى البرق بوضوح ساطع

و ستهطل الأمطار الغزيرة

تماماً كما كانت تهطل في السابق

أخبره أن الأرض الجرداء ستغتسل بالمياه

أخبره أن المواشي لن تعاني بعد اليوم

للذهاب مسافات بعيدة للحصول على المياه

و أخبره أن السيول ستنهمر مثل السحالي

في جميع  أرجــــاء الأودية الجــــافة

العشب الطري سينبت في المراعي

و الماشية ضرعها يمتلئ بالحليب

و أخبره أن الزوجات التي هُجرن

في أشهر الجفاف الصعبة

سيبنون أكواخاً واسعة كبيت الحَجر

الآن تستطيع أن تخلع ملابسها المبتذلة

و تلبس لبساً جديداً من الحرير

مواقد البخور تظهر من الزوايا المظلمة

و يفرش حصير النوم الدافئ و المريح

فزوجها لم يفكر في الحب خلال موسم الجفاف

أما الآن و قد زال الشحوب و ذهبت النحافة

فإنه سيأتي مرة أخرى داخل الكوخ

الآن يستطيع اختيار الطعام الذي يريد

لم يعد مدفوعاً بالجوع وحده

مراراًو تكراراً بكلمات لطيفة سيطالبُ

بأكل المزيد  ثم المزيد ثم المزيد

و زوجته تأتي و تذهب لجلب هذا الصحن أو ذاك

و كلما مرت جيئة و ذهاباً بالقرب منه

يعود شباب الحب الذي قد شاخ بينهما

و في احتفالاتهم و بحثهم عن بركة الأبناء

سيقع حمل أطفال مشرقين مثل الصواعق

أخبر السلطان كذلك أن الشباب الصغار

لن يبقوا عزاباً لفترة طويلة

سيتم زواجهم بشكل لائق و جميل

الفتيات اللآتي كانوا يتوقون إليهن

و يعرضون عليهن الركوب و الرقص

سيرفهون عنهم و سيحتفون بهم

و أخبره أخيراً أن من أراد شغل ذهنه

بالصلاة و الدعاء فسيكون حرأ  في ذلك"

انطلق الكاهن مسرعاً إلى السلطان عقب سماعه للقصيدة فألقاها عليه و شكره السلطان و الناس على ذلك, و قبل المغيب و في الأفق البعيد ظهرت غيمة صغيرة قادمةً من جهة الشرق. بكى الناس و قالوا " إنها سحابة من الله " و مع ذلك لم يعتقد أحدٌ منهم أن هذه السحابة الصغيرة ستمطر, لكن بمجرد أن تم إدخال الماشية إلى الحظائر لمع البرق من جهة الشرق. الجميع أصبح سعيداً و كانت النساء تُزغردن بمرح, الحمدلله لم يعد هناك ما يدعوا للقلق بعد الآن. ما هو إلا وقت قصير حتى قال أحدهم " الحمدلله إن السحاب فوقنا بالفعل ", و قال آخر " دعونا نحفر قنوات لتصريف المياه و نحمى الماشية الهزيلة داخل الحظائر" أوى الناس إلى منازلهم بعدما حفروا حولها القنوات لحفظ المياه ثم خلدوا إلى النوم.

بحمدلله لم يمضي ربع الليل حتى بدأت الأمطار بالهطول, و بعدما هطلت كمية كافية و مناسبة من الأمطار لارتواء الأرض توقف المطر. و بعد توقف المطر أُخرجت المواشي حتى تشرب من البرك و خرج الناس لتخزين المياه, استأنف هطول الأمطار في الفجر و بعدها تم إخراج الماشية إلى المراعي. أمطرت السماء أربعة أيامٍ متتالية و جميع الحيوانات الجمال و الغنم و الماعز شربوا حتى امتلئت بطونهم, و حتى التي جف ضرعها بدأت تدر الحليب من جديد و شرب الناس ما طاب لهم من الحليب.

في منتصف الربيع جمع السلطان أفراد القبيلة في اجتماع موسع و حل كل القضايا العالقة خلال فترة الجفاف, ثم أمر بإحضار الكاهن و أمر بإعطاءه ماشية من كل نوع. فقال الكاهن في نفسه " فليشهد الله علي لقد أنقذ الثعبان حياتي ثلاثة مرات و قد خنته مرتين, هذه المرة يجب أن أحافظ على الوعد و أسلم كل ما كسبته اليوم إليه ". و بالفعل ساق جميع القطعان التي كسبها إلى الثعبان و قال له " يا أيها الثعبان أريد أن أقول لك ثلاثة أشياء, أولاً: لقد أنقذتني في مرتين سابقتين و كل مرة كنت أكافئ إحسانك بالنكران لكنني اليوم أتوب من فعلتي, هذه القطعان استلمتها اليوم خذها جميعاً و سامحني.ثانياً: أرجوك و أتوسل إليك أن نصبح أصدقاء, و أخيرا: بما أن حكمتك بلا حدود أخبريني عن الدنيا و الحياة ؟ "

رد عليه الثعبان " بالنسبة للصداقة فأنا لا أصادق الناس أو كائناً من كان, أنا إما أن أؤذي الرجل أو أساعده حسب الغرض الذي أرسلتُ من أجله. و بالنسبة للعفو فأنا سامحتك و عفوت عنك ,أما الحيوانات التي أحضرتها لي فأنا أعيدها لك فليس لي بها حاجة و اعتبرني قبلت هديتك. الآن نعود لسؤالك عن الدنيا و الحياة فإنني أخبرك بالآتي:

نعم هناك الدنيا لكن الحياة ليست منفصلةً عنها, حياتكم كما تسمونها تتشكل تبعاً لظروف الدنيا من حولكم. لقد خلق الله العديد من الأنماط في هذه الدنيا و هذه الأنماط هي القواعد التي تحكم حياة البشر. فحينما يكون نمط الحرب هو النمط السائد يكون كل الناس في عدواة مع بعضهم البعض في ذلك الزمن , و هكذا كان في الحرب الماضية حين سللت سيفك لتقتلني حتى بعد أن ساعدتك و قلت في نفسك " دعني أقطع رأسه !!!".

 أيضاً في زمن الجفاف و القحط لا يوجد رجل سخي تجاه الآخرين,لذلك فررت و احتفظت بجميع قطعان الماشية لنفسك و لم تعطني نصيبي من جائزة السلطان.لكن حينما يكون النمط هو الرخاء و الإزدهار من هو الرجل البخيل الممتلئ كراهية تجاه الآخرين؟! لذلك أتيت إلى عارضاً علىَ كل ما تملك و لم تحتفظ حتى بحيوان واحد لنفسك!. في كل مرة كان النمط هو الحاكم و لست أنت و هذا اضطرك للقيام بما قمت به.
الآن سأخبرك بمن أكون : أنا لست أفعى لكنني القدر و النصيب و لن تراني بعد اليوم, وداعاً.
و بهذا يا سادة يا كرام وصلنا إلى نهاية قصة الكاهن الذي اختبر ثلاثة مرات. آمل أن تكونوا قد استفدتم و استمتعتم بهذه القصة الفريدة من نوعها في تراثنا الصومالي , كما يسعدنا سماع انطباعاتكم عن القصة بشكل عام.


و هذا الفيديو للمتحدثين باللغة الصومالية, سجلته للعالم و الخبير الروسي السيد Georgi kapchits و هو يحكي لنا القصة بشكل مختصر باللغة الصومالية في معرض هرجيسا للكتاب:

Faaliyihii la Bilkeyday - a Soothsayer Tested



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق